سورة المؤمنون - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)}
اختلفوا في قوله: {وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} على وجوه:
أحدها: أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا الجلود والجيف، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ألست تزعم أنك بعثت رحمة العالمين، ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فادع الله يكشف عنا هذا القحط. فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية، والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا.
وثانيها: هو الذي نالهم يوم بدر من القتل والأسر، يعني أن ذلك مع شدته ما دعاهم إلى الإيمان عن الأصم.
وثالثها: المراد من عذب من الأمم الخوالي {فَمَا استكانوا} أي مشركي العرب لربهم عن الحسن.
ورابعها: أن شدة الدنيا أقرب إلى المكلف من شدة الآخرة، فإذا لم تؤثر فيهم شدة الدنيا فشدة الآخرة كذلك، وهذا يدل على أنهم {لَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28].
أما قوله تعالى: {حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} ففيه وجهان:
أحدهما: حتى إذا فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من القتل والأسر والثاني: إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون} [الروم: 12]، {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] والإبلاس اليأس من كل خير، وقيل السكون مع التحسير.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: ما وزن استكان؟
الجواب: استفعل من السكون أي انتقل من كون إلى كون، كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال، ويجوز أن يكون افتعل من السكون أشبعت فتحة عينه.
السؤال الثاني: لم جاء {استكانوا} بلفظ الماضي و{يَتَضَرَّعُونَ} بلفظ المستقبل؟
الجواب: لأن المعنى امتحناهم فما وجدنا منهم عقيب المحنة استكانة، وما من عادة هؤلاء أن يتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد وقرئ فتحنا.
السؤال الثالث: العطف لا يحسن إلا مع المجانسة فأي مناسبة بين قوله: {وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار} وبين ما قبله؟
الجواب: كأنه سبحانه لما بين مبالغة أولئك الكفار في الأعراض عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق قال للمؤمنين، وهو الذي أعطاكم هذه الأشياء ووقفكم عليها، تنبيهاً على أن من لم يستعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها كما قال تعالى: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَيْء إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بئايات الله} [الأحقاف: 26] تنبيهاً على أن حرمان أولئك الكفار ووجدان هؤلاء المؤمنين ليس إلا من الله.
واعلم أنه سبحانه بين عظيم نعمه من وجوه:
أحدها: بإعطاء السمع والأبصار والأفئدة وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن الاستدلال موقوف عليها، ثم بين أنه يقل منهم الشاكرون، قال أبو مسلم وليس المراد أن لهم شكراً وإن قل، لكنه كما يقال للكفور الجاحد للنعمة ما أقل شكر فلان.
وثانيها: قوله: {وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} قيل في التفسير {خَلَقَكُمْ} قال أبو مسلم: ويحتمل بسطكم فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله تعالى: {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] فنقول: هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشراً إليه لا بمعنى المكان.
وثالثها: قوله: {وَهُوَ الذي يُحيِ وَيُمِيتُ} أي نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة وأنه سبحانه وإن أنعم بها فالمقصود منها الانتقال إلى دار الثواب.
ورابعها: قوله: {وَلَهُ اختلاف اليل والنهار} ووجه النعمة بذلك معلوم، ثم إنه سبحانه حذر من ترك النظر في هذه الأمور فقال: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} لأن ذلك دلالة الزجر والتهديد وقرئ {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}.


{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}
اعلم أنه سبحانه لما أوضح القول في دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد فقال: {بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} في إنكار البعث مع وضوح الدلائل ونبه بذلك على أنهم إنما أنكروا ذلك تقليداً للأولين وذلك يدل على فساد القول بالتقليد، ثم حكى الشبهة عنهم من وجهين:
أحدهما: قولهم: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} وهو مشهور وثانيهما: قولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} كأنهم قالوا إن هذا الوعد كما وقع منه عليه الصلاة والسلام فقد وقع قديماً من الأنبياء، ثم لم يوجد مع طول العهد، فظنوا أن الإعادة تكون في دار الدنيا، ثم قالوا لما كان كذلك فهو من أساطير الأولين والأساطير جمع أسطار والأسطار جمع سطر أي ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له، وجمع أسطورة أوفق.


{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)}
اعلم أنه يمكن أن يكون المقصود من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة وأن يكون المقصود الرد على عبدة الأوثان، وذلك لأن القوم كانوا مقرين بالله تعالى فقالوا نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله زلفى، ثم إنه سبحانه احتج عليهم بأمور ثلاثة: أحدها: قوله: {قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا} ووجه الاستدلال به على الإعادة أنه تعالى لما كان خلقاً للأرض ولمن فيها من الأحياء، وخالقاً لحياتهم وقدرتهم وغيرها، فوجب أن يكون قادراً على أن يعيدهم بعد أن أفناهم. ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان، من حيث إن عبادة من خلقكم وخلق الأرض وكل ما فيها من النعم هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وقوله: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} معناه الترغيب في التدبر ليعلموا بطلان ما هم عليه.
وثانيها: قوله: {مَن رَّبُّ السموات السبع وَرَبُّ العرش العظيم} ووجه الاستدلال على الأمرين كما تقدم، وإنما قال: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} تنبيهاً على أن اتقاء عذاب الله لا يحصل إلا بترك عبادة الأوثان والاعتراف بجواز الإعادة.
وثالثها: قوله تعالى: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ}.
اعلم أنه سبحانه لما ذكر الأرض أولاً والسماء ثانياً عمم الحكم هاهنا، فقال من بيده ملكوت كل شيء، ويدخل في الملكوت الملك والملك على سبيل المبالغة، وقوله: {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} يقال أجرت فلاناً على فلان إذا أغثته منه ومنعته. يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحداً.
أما قوله تعالى: {فأنى تُسْحَرُونَ} فالمعنى أنى تخدعون عن توحيده وطاعته، والخادع هو الشيطان والهوى. ثم بين تعالى بقوله: {بَلْ أتيناهم بالحق} أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات وغيرها وهم مع ذلك كاذبون، وذلك كالتوعد والتهديد، وقرئ أتيتهم، وأتيتهم بالضم والفتح وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: قرئ {قُل لِلَّهِ} في الجواب الأول باللام لا غير، وقرئ الله في الأخيرين بغير اللام في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام وباللام في مصاحف أهل البصرة فما الفرق؟
الجواب: لا فرق في المعنى، لأن قولك من ربه، ولمن هو؟ في معنى واحد.
السؤال الثاني: كيف قال: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم حكى عنهم سيقولون الله وفيه تناقض؟
الجواب: لا تناقض لأن قوله: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} لا ينفي عملهم بذلك. وقد يقال مثل ذلك في الحجاج على وجه التأكيد لعلمهم والبعث على اعترافهم بما يورد من ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8